- تعريفه
-
لغةً : الإزالة ، يقال: نسخت الشمس الظّل ، أي أزالته ، ويأتي
بمعنى التبديل والتحويل ، يشهد له قوله تعالى: {وَإِذَا
بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} [النحل: 101].
-
اصطلاحا ً: رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر.
-
فالحكم المرفوع يسمى : المنسوخ .
-
والدليل الرافع يسمى : الناسخ .
-
ويسمى الرفع : النسخ .
-
فعملية النسخ على هذا تقضي منسوخاً وهو الحكم الذي كان
مقرراً سابقاً ، وتقتضي ناسخاً ، وهو الدليل اللاحق.
العودة للفهرس
- شروط النسخ
-
أن يكون الحكم المنسوخ شرعياً.
-
أن يكون الدليل على ارتفاع الحكم دليلاً شرعياً متراخياً عن
الخطاب المنسوخ حكمه.
-
ألاّ يكون الخطاب المرفوع حُكمُه مقيدّاً بوقت معين مثل قوله
تعالى: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ
بِأَمْرِهِ} [البقرة:109] فالعفو والصفح مقيد بمجيء أمر الله.
العودة للفهرس
حكمه وقوع النسخ
-
يحتل النسخ مكانة هامة في تاريخ الأديان ، حيث أن النسخ هو
السبيل لنقل الإنسان إلى الحالة الأكمل عبر ما يعرف بالتدرج في
التشريع ، وقد كان الخاتم لكل الشرائع السابقة والمتمم له ما
جاء به سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم وبهذا التشريع بلغت
الإنسانية الغاية في كمال التشريع.
-
وتفصيل هذا : أنّ النوع الإنساني تَقَلب كما يتقلب الطفل
في أدوار مختلفة ، ولكل دور من هذه الأدوار حال تناسبه غير
الحال التي تناسب دوراً غيره ، فالبشر أول عهدهم بالوجود
كانوا كالوليد أول عهده بالوجود سذاجة ، وبساطة ، وضعفاً ،
وجهالة ، ثم اخذوا يتحولون من هذا العهد رويداً رويداً ،
ومروا في هذا التحول أو مرت عليهم أعراض متبانية ، من ضآلة
العقل ، وعماية الجهل ، وطيش الشباب ، وغشم القوة على
التفاوت في هذا بينهم ، اقتضى وجود شرائع مختلفة لهم تبعاً
لهذا التفاوت.
-
حتى إذا بلغ العالم أوآن نضجه واستوائه ، وربطت مدنيته بين
أقطاره وشعوبه ، جاء هذا الدين الحنيف ختاماً للأديان
ومتمماً للشرائع ، وجامعاً لعناصر الحيوية ومصالح
الإنسانية ومرونة القواعد ، جمعاً وفَّقَ بين مطالب الروح
والجسد ، وآخى بين العلم والدين ، ونظم علاقة الإنسان
بالله وبالعالم كله من أفراد ، وأسر ، وجماعات ، وأمم ،
وشعوب ، وحيوان ، ونبات ، وجماد ، مما جعله بحق ديناً
عاماً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
-
ومن الحكم أيضاً التخفيف والتيسير: مثاله: إن الله تعالى أمر
بثبات الواحد من الصَحابَة للعشرة في قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ
مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [
الأنفال:65] ثم نسخ بعد ذلك بقوله تعالى :{الآنَ خَفَّفَ
اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ
مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}
[الأنفال:66] فهذا المثال يدل دلالة واضحة على التخفيف والتسير
ورفع المشقة ، حتى يتذكر المسلم نعمة الله عليه.
-
مراعاة مصالح العباد.
-
ابتلاء المكلف واختباره حسب تطور الدعوة وحال الناس.
العودة للفهرس
أقسام النسخ في القرآن الكريم
-
نسخ التلاوة والحكم معاً:رُوي عن السيدة عائشة رضي الله
عنها أنها قالت: كان فيما نزل من القرآن:" عشر رضعات معلومات
يحرّمن " فنسخن خمس رضعات معلومات ، فتوفي رسول الله صلّى الله
عليه وسلم وهي مما يقرأ من القرآن ". ولا يجوز قراءة منسوخ
التلاوة والحكم في الصلاة ولا العمل به ، لأنه قد نسخ بالكلية.
إلا أن الخمس رضعات منسوخ التلاوة باقي الحكم عند الشافعية.
-
نسخ التلاوة مع بقاء الحكم: يُعمل بهذا القسم إذا تلقته
الأمة بالقبول، لما روي أنه كان في سورة النور: "الشيخ والشيخة
إذا زنيا فارجموهما نكالاً من الله والله عزيز حكيم " ولهذا
قال عمر: لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها
بيدي.
ملاحظة : وهذان القسمان: (1- نسخ الحكم
والتلاوة) و (2- نسخ التلاوة مع بقاء الحكم) قليل في القرآن الكريم
، ونادر أن يوجد فيه مثل هذان القسمان ، لأن الله سبحانه أنزل
كتابه المجيد ليتعبد الناس بتلاوته ، وبتطبيق أحكامه.
-
نسخ الحكم وبقاء التلاوة: فهذا القسم كثير في القرآن
الكريم ، وهو في ثلاث وستين سورة.
مثاله :
-1- قيام الليل :
المنسوخ: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا
الْمُزَّمِّلُ * قُمْ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا * نِصْفَهُ أَوْ
انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا }[المزمل: 1- 3].
الناسخ: قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ
أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ
وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ
اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ
عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ}
[المزمل:20].
النسخ: وجه النسخ أن وجوب قيام الليل ارتفع بما
تيسر، أي لم يَعُدْ واجباً.
-2- محاسبة النفس:
المنسوخ: قوله تعالى: { وَإِنْ تُبْدُوا مَا
فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ }
[البقرة: 284].
الناسخ: قوله تعالى: { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } [ البقرة:286 ].
النسخ: وجهه أنَّ المحاسبة على خطرات الأنفس
بالآية الأولى رُفعت بالآية التالية.
-3- حق التقوى :
المنسوخ: قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [آل عمران: 102].
الناسخ: قوله تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا
اسْتَطَعْتُمْ } [التغابن: 16].
النسخ: رفع حق التقوى بالتقوى المستطاعة.
-
ما الحكمة من نسخ الحكم وبقاء التلاوة ؟
-
إن القرآن كما يُتلى ليعرف الحكم منه ، والعمل به ، فإنه كذلك
يُتلى لكونه كلام الله تعالى ، فيثاب عليه ، فتركت التلاوة
لهذه الحكمة.
-
إن النسخ غالباً يكون للتخفيف ، فأبقيت التلاوة تذكيراً
بالنعمة ورفع المشقة ، حتى يتذكر العبد نعمة الله عليه.
العودة للفهرس
النسخ إلى بدل وإلى غير بدل
-
النسخ إلى بدل مماثل ، كنسخ التوجه من بيت المقدس إلى بيت
الحرام : {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا } [البقرة :144].
-
النسخ إلى بدل أثقل ، كحبس الزناة في البيوت إلى الرجم للمحصن
، والجلد لغير المحصن. ونسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان.
-
النسخ إلى غير بدل ، كنسخ الصدقة بين يدي نجوى الرسول صلى الله
عليه وسلم.
-
النسخ إلى بدل أخف ، مر معنا في الأمثلة السابقة ( قيام الليل
).
العودة للفهرس
أنواع النسخ
النوع الأول:نسخ القرآن بالقرآن ، وهو متفق
على جوازه و وقوعه.
النوع الثاني: نسخ القرآن بالسنة وهو قسمان.
-1 نسخ القرآن بالنسبة الأُحادية ، والجمهور على عدم جوازه.
-2 نسخ القرآن بالسنة المتواترة:
أ- أجازه الإمام أبو حنيفة ومالك ورواية عن أحمد ، واستدلوا بقوله
تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ
تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ }
[البقرة: 180] فقد نسخت هذه الآية بالحديث المستفيض، وهو قوله صلّى
الله عليه وسلم: " ألا لا وصية لوارث " ولا ناسخ إلا السنة ، وغيره
من الأدلة .
ب- منعه الإمام الشافعي ورواية أخرى لأحمد ، واستدلوا بقوله تعالى:
{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا
أَوْ مِثْلِهَا } [البقرة: 106] قالوا : السنة ليست خيراً من
القرآن ولا مثله.
النوع الثالث: نسخ السنة بالقرآن:
-
أجازه الجمهور، ومثلوا له بنسخ التوجه إلى بيت المقدس الذي كان
ثابتاً بالسنة بالتوجه إلى المسجد الحرام. ونسخ صوم عاشوراء
بصوم رمضان.
العودة للفهرس
|